
سوريا تواجه تحديات كبيرة وفرصًا مهمة مما يستدعي إدارة المرحلة بحكمة لتحقيق التوازن المنشود
الأمم المتحدة
قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون إن القرارات التي تتخذ الآن في البلاد “ستحدد المستقبل لفترة طويلة قادمة”، وشدد على ضرورة أن “يتمكن السوريون والمجتمع الدولي من إدارة المرحلة التالية بشكل صحيح” حيث تواجه البلاد “فرصا عظيمة ومخاطر حقيقية”.
وفي كلمته أمام مجلس الأمن اليوم الأربعاء عبر تقنية الفيديو، قال السيد بيدرسون إن سلطات تصريف الأعمال تواصل العمل على هيكلة وتعزيز سلطتها، وقد التقت بمجموعة واسعة من المكونات السورية، فضلا عن اللاعبين الدوليين.
كما أشار إلى التقارير التي تفيد باتفاق مبدئي لدمج الفصائل تحت وزارة دفاع موحدة، على الرغم من أن حالة التنفيذ لا تزال غير واضحة حيث ورد أن بعض الفصائل لم تنضم بعد إلى هذا الاتفاق.
وأضاف أن القائمة الأولى للتعيينات العسكرية في وزارة الدفاع الجديدة قد صدرت، ويبدو أنها مأخوذة من مجموعة من الفصائل، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، “وتشمل أيضا مقاتلين من دول أجنبية”.
علامات عدم استقرار
وقال بيدرسون إن هناك علامات على عدم الاستقرار داخل المناطق الخاضعة لسيطرة السلطات المؤقتة، بما في ذلك حوادث العنف في المنطقة الساحلية وحمص وحماة. وحث السلطات على “مد يد الطمأنينة والثقة لجميع المجتمعات في سوريا، وتعزيز المشاركة النشطة للجميع في بناء سوريا الجديدة”.
وقال إن الصراع مستمر في المناطق الواقعة خارج سيطرة السلطات المؤقتة، وهناك تهديدات “حقيقية للغاية” لسيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها. وأشار بشكل خاص إلى الوضع في شمال شرقي البلاد، حيث وردت تقارير عن اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات الجيش الوطني السوري. كما أعرب عن قلقه العميق إزاء استمرار النشاط العسكري الإسرائيلي، بما في ذلك خارج منطقة الفصل، في انتهاك لاتفاقية فك الارتباط لعام 1974.
الطريق نحو الانتقال السياسي
كما أشار المبعوث الخاص إلى أن الطريق نحو الانتقال السياسي لا يزال غير واضح. وقال إن بعض السوريين تلقوا الإشارات من السلطات المؤقتة بهذا الشأن بإيجابية، وخاصة فيما يتعلق بالتأكيد على الشمولية والحاجة إلى إشراك طيف واسع من السوريين في تشكيل المرحلة الانتقالية والاستفادة من خبرات جميع السوريين.
لكنه أضاف أن هناك مخاوف في الوقت نفسه بشأن الافتقار إلى الشفافية بشأن التوقيت والإطار والأهداف والإجراءات في أي مؤتمر للحوار الوطني – فضلا عن المشاركة، من حيث معايير الحضور وتوازن التمثيل.
وقال: “من الأهمية ألا يتم التعجل في هذه العملية، وأن يتم الإعداد لها بشكل جيد والتفكير فيها. وفي هذا الصدد، أرحب بإعلان سلطات تصريف الأعمال عن تأجيل المؤتمر إلى أن يتسنى تشكيل لجنة تحضيرية موسعة تضم ما أطلق عليه التمثيل الشامل لسوريا من جميع القطاعات والمحافظات”.
وقال بيدرسون إنه مستعد للعمل مع سلطات تصريف الأعمال بشأن كيفية “تطوير الأفكار والخطوات الجديدة والمهمة التي تم التعبير عنها حتى الآن والتي يمكن تطويرها إلى انتقال سياسي ذي مصداقية وشامل”.
2254: تطبيق غير حرفي
وأكد أنه في حين لا يمكن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشكل حرفي، وأن النظام السابق “لن يكون طرفا في أي عملية مستقبلية”، إلا أن هناك إجماعا واسع النطاق على أن الانتقال السياسي يجب أن يحقق الأشياء الرئيسية التي حددها القرار، بما في ذلك انتقال موثوق وشامل وشفاف بقيادة وملكية سورية.
وفي هذا الصدد قال: “دعوني أكون واضحا، لا أعتقد أن أي سوري يُطالب بمحاصصة على أساس طائفي أو عرقي أو الاستعانة بنماذج من بلدان أخرى، بل يسعي السوريون إلى عملية تشمل أوسع طيف من المجتمع السوري والأحزاب السورية، من أجل خلق الثقة لدى الجميع إزاء عملية الانتقال السياسي”.
وشدد على ضرورة إعداد دستور جديد من خلال عملية موثوقة وشاملة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، تشمل جميع السوريين، وفقا للمعايير الدولية. كما أكد أيضا أن الدعوة إلى العدالة والمساءلة والتعويض تجد صدى قويا بين مختلف أطياف المجتمع “وهي ضمانة ضرورية وجوهرية للسلام المستدام والتماسك الاجتماعي”.
وأضاف: “هناك فرص هائلة لبناء أساس للسلام والاستقرار الدائمين في سوريا. لكن الخطوات الخاطئة أو الفرص الضائعة قد تُشكل مخاطر على مستقبل سوريا وتزرع بذور عدم الاستقرار. أعتقد أنه يمكن تطوير أرضية مشتركة حول هذه القضايا بسهولة من خلال الحوار مع سلطات تصريف الأعمال”.
وشدد على أن العمل على الانتقال السياسي الشامل هو الوسيلة الأكثر فعالية لبناء الثقة وضمان حصول سوريا بشكل عاجل على الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه بشدة – “وهو ما يتطلب بدوره إنهاء العقوبات بشكل سلس، واتخاذ إجراءات مناسبة بشأن مسألة التصنيف أيضا، وتوفير تمويل كبير بما في ذلك لإعادة الإعمار”.
الأزمة الإنسانية

من جانبه، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر إن الأسابيع الأخيرة كانت أقل اضطرابا من تلك التي سبقت الاجتماع الأخير للمجلس بشأن سوريا، لكن “حجم الأزمة الإنسانية لا يزال كبيرا”. وشدد على ضرورة الحفاظ على الخدمات الأساسية وإعادة بنائها، والتي تضررت بسبب سنوات من الصراع، بما في ذلك في مجالات الصحة والوصول إلى المياه والكهرباء.
كما أشار إلى أن نحو 13 مليون شخص في البلاد ما زالوا يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، في وقت اضطر فيه برنامج الأغذية العالمي إلى خفض المساعدات الغذائية بنسبة 80 في المائة في العامين الماضيين بسبب نقص التمويل.
كما سلط السيد فليتشر الضوء على أهمية حماية المدنيين مع استمرار نزوح ملايين السوريين داخل البلاد، بما في ذلك 620 ألف شخص نزحوا من منازلهم في الفترة التي سقط فيها النظام السابق. وأضاف أن شركاء الأمم المتحدة حددوا أكثر من مائة موقع ملوث بذخائر غير منفجرة منذ أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، في حلب وإدلب وحماة واللاذقية.
وقال وكيل الأمين العام إن هناك مخاطر بتهميش النساء والفتيات، وشدد على أن مستقبل سوريا يعتمد عليهن، قائلا: “يجب الاستماع لأصواتهن في هذه الفترة الحرجة”.
شراكة جادة وحقيقية
ومع استقرار الوضع الأمني، قال فليتشر إن العمليات الإنسانية استؤنفت على نطاق أوسع، وطلب من مجلس الأمن دعم الضمانات الواضحة التي تلقاها من السلطات المؤقتة بأن القانون الدولي الإنساني سيُحترم، وسيُحمى المدنيون، ويُسمح للمنظمات الإنسانية بالعمل بحرية.
وقال: “نواصل انخراطنا مع السلطات المؤقتة في وضع طرق جديدة للعمل، بما في ذلك إجراءات جديدة لتسجيل المنظمات غير الحكومية. ونظل على اتصال يومي بشأن الأمور العملية. وأنا أقدر أن هذه الشراكة جادة وحقيقية. لكن الأمن، وخاصة في حلب ودير الزور واللاذقية وطرطوس، لا يزال يشكل تحديا”.
ودعا السيد فليتشر أيضا إلى زيادة التمويل للاستجابة الإنسانية، التي لم تمول سوى بمقدار الثلث، وأعلن عن تخصيص 8 ملايين دولار إضافية من صندوق الأمم المتحدة المركزي للاستجابة للطوارئ، ليصل المبلغ الإجمالي إلى 20 مليون دولار لدعم توسيع نطاق العمليات الإنسانية في سوريا.
وشدد على الحاجة إلى ضمان تدفق الدعم بكفاءة إلى داخل سوريا وعبرها. وقال: “هذا يعني أن أي عقوبات لا ينبغي أن تعيق الدعم الإنساني. إن إعلان الولايات المتحدة عن ترخيص عام جديد يغطي المعاملات مع المؤسسات الحاكمة السورية يوفر إشارة ترحيب”.
وقال فليتشر إن المشاركة النشطة من جانب مجلس الأمن والمجتمع الدولي تظل أساسية “في فترة الانتقال المضطرب هذه”. وأضاف: “يجب أن نقف مع شعب سوريا في هذا الوقت، ويمكن للعملية الإنسانية أن تحدث تأثيرا كبيرا إذا كنا جادين وجريئين وملتزمين بدعمهم”.
“ثورة الحرية والكرامة”

في أول كلمة له أمام مجلس الأمن منذ سقوط نظام بشار الأسد، قال السفير السوري لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك “بعد مرور شهر على إشراق شمس الحرية” على سوريا وانتصار “ثورة الحرية والكرامة”، تشهد سوريا مرحلة جديدة من تاريخها “تتكاتف فيها جهود السوريين جميعا لإرساء دولة الحرية والمساواة وسيادة القانون، وتحقيق الرفاه والاستقرار، وطي صفحة الاستبداد والمعاناة وانتهاكات حقوق الإنسان”.
وطلب الضحاك من المجتمع الدولي الوقوف إلى جانب السوريين ودولتهم في سعيهم لبناء مستقبل أفضل لوطنهم. وأكد أن الفترة الماضية شهدت “انتقالا سلسا” لإدارة مؤسسات الدولة إلى حكومة تسيير الأعمال التي تم تشكيلها لفترة “تنقضي في مطلع شهر آذار/مارس القادم”، وذلك لتفادي آثار كارثية “سبق وشهدناها في دول أخرى”.
وقال الضحاك إن حكومة تسيير الأعمال تعمل على بسط الأمن والاستقرار، وتوفير الاحتياجات والخدمات الأساسية، والتحضير لمؤتمر للحوار الوطني لرسم معالم المرحلة القادمة وتشكيل الحكومة الانتقالية “التي ستشرف على الإعداد للاستحقاقات الوطنية، بما فيها عملية صياغة الدستور وإجراء الانتخابات”.
وقال إن السلطات السورية أعلنت رغبتها ببناء علاقاتٍ ودية مع جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة استنادا لقيم الاحترام المتبادل والتعاون البناء والمصالح المشتركة، “بعيدا عن سياسات المحاور والاستقطاب”، وأكد أن “سوريا الجديدة” حريصةٌ على أن تكون “عاملا مساهما في تعزيز السلم والأمن الإقليميين والدوليين، وعدم الانخراط في أية نزاعاتٍ أو حروب”.
وأضاف أن بلاده تدعو لاحترام إرادة الشعب السوري وخياراته الوطنية، “وهو الأمر الذي يتطلب امتناع أية أطراف خارجية عن التشويش على العملية السياسية أو السعي لتحقيق مكاسب لا تنسجم ومصالح الشعب السوري وخير وطنه. كما يستوجب الكف فورا عن التصريحات والممارسات الرامية لمحاولة افتعال الفتن وإثارة الفوضى أو تهديد السلم الأهلي والمجتمعي في سوريا”.
وقال إن السوريين عانوا لسنواتٍ طويلة “وقد حان الوقت لكي يتنفسوا الصعداء ويعيشوا حياة كريمة في وطنهم أسوة بغيرهم من شعوب العالم”، ودعا الأمم المتحدة ودولها الأعضاء للعمل على الرفع الفوري والكامل للتدابير القسرية الانفرادية، وتوفير التمويل اللازم لتلبية الاحتياجات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية، ودعم مشاريع التعافي المبكر وسبل العيش والتنمية المستدامة، وتوفير الظروف الملائمة للعودة الكريمة للمهجرين واللاجئين إلى مدنهم ومنازلهم.
في هذا السياق، أشار إلى الخطوة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية لتوسيع الإعفاءات من “التدابير القسرية أحادية الجانب”، ودعاها إلى جانب الدول الأخرى “إلى الرفع الكامل لهذه التدابير عن الشعب السوري لأنها كانت موجهة بالأصل ضد النظام السابق وأدوات إجرامه”.
وقال إن بلاده تؤكد على ضرورة ضمان عدم استغلال “كيان الاحتلال الإسرائيلي” للظروف الراهنة لانتهاك سيادتها “ومحاولة تكريس واقعٍ جديد” من خلال توغل قواته العسكرية في مساحات إضافية من الأراضي السورية في جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة والمناطق المحيطة بها.
كما طالب السفير السوري بضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي دخلتها مؤخرا، “ووضع حدٍ لممارساتها العدوانية بحق أهلها، واحترام ولايتي بعثتي الأندوف والأونتسو وعدم المساس بهما”.