قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن “الحرب على الأطفال في غزة” تشكل تذكيرا صارخا بمسؤولية العالم الجماعية للقيام بكل ما هو ممكن لإنهاء معاناتهم، مؤكدة أن “جيلا من الأطفال يتحملون وطأة الانتهاك الوحشي لحقوقهم وتدمير مستقبلهم”.
جاء ذلك على لسان روزاليا بولين، مسؤولة الاتصالات الرئيسية لليونيسيف في غزة، والتي قالت إن أطفال القطاع “مرضى ومتعبون ومصابون بصدمات نفسية”، فيما يهدد الجوع وسوء التغذية حياتهم.
وقالت: “إن غزة هي واحدة من أكثر الأماكن المحزنة بالنسبة لنا كعاملين في المجال الإنساني، لأن كل جهد صغير لإنقاذ حياة طفل يضيع بسبب الدمار العنيف. لأكثر من 14 شهرا، ظل الأطفال على حافة هذا الكابوس، حيث أبلغ عن قتل أكثر من 14500 طفل، وإصابة الآلاف غيرهم”.
“سبقتني عيناي إلى الجنة”
وفي حديثها من العاصمة الأردنية عمان إلى الصحفيين في جنيف اليوم الجمعة، وصفت بولين لقاءها بصبي يبلغ من العمر خمس سنوات يدعى سعد، والذي أصيب بجروح غيرت حياته في قصف منزله حيث فقد بصره.
“قال لي ‘لقد سبقتني عيناي إلى الجنة’. وبينما كنا نتحدث، حلقت طائرة فوقنا، وفي اللحظة التي سمع فيها الطائرة، تجمد وصرخ وأمسك بأمه. إن رؤية هذا الصبي في حالة الهلع العميق هذه كان لا يطاق بصراحة”.
وقالت مسؤولة الاتصالات في اليونيسيف في غزة إن القصص التي سمعتها في غزة “ستعذبها إلى الأبد”. كما أخبرت الصحفيين عن طفل آخر يدعى سعد، كانت قد التقت به في الصيف حين كان يبلغ من العمر سبعة أشهر ويزن 2.7 كيلوغرام فقط. توفي الطفل مؤخرا بسبب سوء التغذية، وهو ما كان بالنسبة لأمه “معجزة” بعد أن حاولت الإنجاب لسنوات عديدة.
وأضافت بولين: “لقد ولد في الحرب وترك هذا العالم دون أن تُمنح له فرصة العيش في سلام. لا أستطيع حتى أن أتخيل مدى معاناة والديه. المعاناة ليست جسدية فحسب، إنها نفسية أيضا”.
أيام تسرق من الأطفال
ومع حلول فصل الشتاء على غزة، قالت بولين إن الأطفال “يشعرون بالبرد والرطوبة وهم حفاة الأقدام”، فيما لا يزال الكثير منهم يرتدون ملابس الصيف. وأضافت أن الأطفال يبحثون بين الأنقاض عن قطع بلاستيكية ليحرقوها، وأن الأمراض منتشرة في القطاع في ظل انعدام الخدمات الصحية وتعرض المستشفيات للهجوم بشكل مستمر.
وقالت: “هناك أشياء فورية يمكننا جميعا القيام بها اليوم لجعل الحياة أكثر احتمالا لهؤلاء الأطفال. يمكننا استخدام أصواتنا ورأس مالنا السياسي ونفوذنا الدبلوماسي للدفع باتجاه إجلاء الأطفال المصابين بجروح خطيرة وآبائهم لمغادرة غزة والبحث عن رعاية طبية منقذة للحياة في القدس الشرقية أو في أي مكان آخر”.
وأكدت أن كل يوم يمر دون عمل “يسرق يوما آخر من أطفال غزة”، مضيفة “كل تأخير يكلف مزيدا من الأرواح. يجب أن تطارد هذه الحرب كل واحد منا. لا يستطيع أطفال غزة الانتظار”.
لا حماية من البرد والشظايا
وقالت مسؤولة الطوارئ في وكالة الأونـروا لويز ووتريدج إن الأحوال الجوية ساءت في الأيام الماضية وسيستمر هذا النمط كما كان متوقعا، إلا أن الوكالة اضطرت إلى إعطاء الأولوية للغذاء على مساعدات المأوى.
وقالت: “لدينا إمدادات خارج قطاع غزة تنتظر دخول القطاع منذ ستة أشهر. هذا هو الواقع الذي يعيشه العاملون في المجال الإنساني هنا. يتعين علينا الاختيار بين حصول الناس على الطعام أو حصولهم على المأوى”.
وفي حديثها من منطقة النصيرات في وسط القطاع، قالت إن تضرر أو تدمير 69 في المائة من مباني القطاع لا يعني أن الناس يواجهون ظروف الشتاء القاسية فحسب، بل إنهم لا يتمتعون أيضا بالحماية من القنابل والغارات الجوية.
وأضافت: “نسمع من الأطباء أن الأطفال يتعرضون لإصابات من الشظايا جراء غارات وقعت على بعد كيلومتر واحد من مكان تواجدهم لأنه لا يوجد سوى الخيام والأقمشة لحمايتهم من القنابل والرصاص”.
“ما لا نستطيع رؤيته”
قالت ووتريدج إنها تحدثت على مدار العام الماضي عما تستطيع رؤيته، بما في ذلك الأطفال الصغار الذين فقدوا أطرافهم، والأسر المحاصرة تحت الأنقاض فيما تحرم الأمم المتحدة وفرق الطوارئ من الوصول لإنقاذهم، والأشخاص الذين يبحثون عن فتات الطعام في القمامة لإطعام أسرهم، لكنها اليوم تريد التركيز على “ما لا نستطيع رؤيته”.
وقالت إن الوكالة مُنعت من الوصول إلى رفح كل يوم منذ إجبارها على مغادرتها في أيار/ مايو بعدما كانت تعتبر رفح – جنوب غزة – مركزا للعمليات الإنسانية. وقالت: “ليست لدينا أي فكرة عن شكل رفح اليوم. وما زلنا محرومين من الوصول إلى الشمال المحاصر. تستمر المستشفيات في التعرض للهجوم، والمدارس التي تؤوي الناس تتعرض للهجوم. ومرارا وتكرارا، وبشكل منهجي تقريبا، تُمنع الأمم المتحدة من الوصول لتقديم المساعدات والدعم للأشخاص في الشمال المحاصر”.
وبينما اعتبرت الصحفيين في القطاع أبطالا لإيصالهم صور الوضع المزري على الأرض إلى العالم، أشارت ووتريدج إلى أن ما يراه الناس في تقاريرهم وعلى وسائل التواصل الاجتماعي هو من منظور أولئك القادرين على الفرار من أجل حياتهم عندما تنهمر الغارات.
وقالت: “ما لا نراه هم الأشخاص الذين لا يستطيعون الفرار. لا نرى كبار السن. لا نرى الأطفال الصغار الذين قُتل آباؤهم في الضربات – الذين تُركوا بلا وسيلة للتواصل عما يجري. العالم لا يرى ما يحدث لهؤلاء الناس. المجتمع بأكمله هنا أصبح الآن مقبرة. الناس ليس لديهم رفاهية حتى الحداد على أقاربهم لأنهم يحاولون فقط البقاء على قيد الحياة”.
كل الطرق تؤدي إلى الموت
وأخبرت مسؤولة الأونروا الصحفيين قصة امرأة تبلغ من العمر 80 عاما التقت بها في مدينة غزة. كانت المرأة تُدفع على كرسي متحرك عبر حاجز بين الشمال المحاصر ومدينة غزة من قبل أقاربها الشباب الذكور عندما قُتلوا برصاص القناصة. “كانت جالسة على كرسي متحرك، ولم تكن لديها القدرة على فعل شيء. لم تستطع تحريك نفسها. لقد كان عليها أن تشاهد أفراد الأسرة الذكور وهم يُؤكلون أمامها من قبل الكلاب. لم تصل إلى مدينة غزة إلا بعد أن مرت عائلة أخرى عبر الحاجز وساعدتها”.
مع اقتراب العام من نهايته، ذكّرت ووتريدج بأن أكثر من مليوني شخص ما زالوا محاصرين في ظروف مروعة في غزة ومحرومين من احتياجاتهم الأساسية. وقالت: “لا يمكنهم الفرار، ويبدو الأمر وكأن كل طريق يمكن أن تسلكه يؤدي إلى الموت”.