
فرص مليئة بالأمل رغم التحديات : نائبة المبعوث الأممي لسوريا من دمشق
قالت نجاة رشدي نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا إنها لمست خلال زيارتها الثانية – منذ سقوط نظام بشار الأسد – إلى دمشق تغييرا ملحوظا في الأجواء العامة، وإن الشعب يعيش حالة من الفرح والأمل مع عودة العديد من المغتربين. وأضافت أن اجتماعاتها في سوريا ركزت على عدد من القضايا منها الانتقال السياسي الذي يشمل الجميع وضمان العدالة والمحاسبة ومراجعة الدستور.
وفي حوار مع أخبار الأمم المتحدة، قالت نجاة رشدي إن الأمم المتحدة تسعى لتعزيز بعثتها السياسية في سوريا لدعم الحوار مع السلطات وجميع مكونات المجتمع.
وفيما يتعلق بأهم الملفات التي تتعامل معها سوريا في الوقت الراهن، تحدثت رشدي عن ملف المفقودين كأولوية لتحقيق التماسك الاجتماعي، بالإضافة إلى تعزيز مسار العدالة الانتقالية بشكل عادل وغير انتقامي، وأهمية أن تنضوي كل الفصائل تحت مظلة واحدة هي مظلة الدولة ومظلة وزارة الدفاع.
وأشادت المسؤولة الأممية بدور المرأة السورية خلال العقود الماضية لتعزيز حقوقها والمناداة بحماية حقوق الجميع. وقالت إن النساء السوريات يطالبن بمقعد حول الطاولة سواء كان ذلك في المرحلة الانتقالية أو صياغة الدستور الجديد أو التحضير للانتخابات أو الحكومة الانتقالية أو المحادثات السياسية. وشددت على ضرورة الاستماع إلى أصوات النساء ليس فقط لأن ذلك أمرا عادلا، ولكن لأن سوريا بحاجة إلى مساهمة جميع مواطنيها في إعادة البناء وفي المرحلة الانتقالية.
فيما يلي نص الحوار الذي أجريناه مع السيدة نجاة رشدي نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، الموجودة في دمشق.
أخبار الأمم المتحدة: هذه زيارتك الثانية لسوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد. هل يمكن مشاركة انطباعاتك الأولية معنا مما شهدتيه على الأرض وأيضا لقاءاتك مع المسؤولين السوريين؟
نجاة رشدي: عندما يصل المرء إلى دمشق يشعر أن هناك تغييرا كبيرا. كل الناس الذين قابلناهم يشعرون بفرحة كبيرة. لأن ما حدث هو معجزة بالنسبة لهم فتحت مساحة جديدة للأمل وللانتقال الديمقراطي وللحريات. وهذا ملموس على كل صعيد.
مثال بسيط يتمثل في أننا نرى حركة أكبر بالشوارع مقارنة بما سبق. كانت دائما في سوريا حالة إحباط لها علاقة بالأوضاع الاقتصادية والسياسية. بنفس الوقت طبعا هذه الفرحة وهذا الأمل يأتي مع زيارة ورجوع الكثير من السوريات والسوريين الذين لم يأت بعضهم إلى سوريا ودمشق أكثر من ثلاثة عشر سنة. التقيت مع مجموعة صار لهم 12 عشر سنة لم يزوروا سوريا خوفا من الاعتقال وكل الانتهاكات التي كانت تحدث. لديهم إحساس جميل للغاية، وأتمنى إن شاء الله أن تتحقق آمالهم.
أخبار الأمم المتحدة: وماذا عن لقاءاتك مع المسؤولين السوريين؟ ما أهم ما ركزت عليه في هذه المناقشات؟ ومع من التقيت؟
نجاة رشدي: هناك خمس نقاط مهمة جدا، وسوف تناقـَش أيضا في اللقاءات المقبلة إن شاء الله. اللقاءات كانت مع ممثلين من المجتمع المدني والمجموعات النسائية النضالية والنسوية والتي لها شأن فيما يخص المشاركة السياسية وأيضا مجموعة من السلطات – ليس الوزارء – لكن مجموعة من الفرقاء ممن يتعاملون مع السلطات ومستشارين للسلطات الموجودة اليوم لنُحضّر للاجتماعات التي ستُعقد إن شاء الله الأسبوع المقبل مع المسؤولين السياسيين والوزراء.
الملفات والخطاب يدفعون إلى التفاؤل. الشيء الجيد أنهم يتفهمون جيدا ما هي التحديات وكيف أن الاستقرارلن يكون أمرا سهلا، ولكن بالتأكيد أن ضبط الشان الأمني من أولوياتهم لأنهم لا يريدون فلتانا أمنيا. الشيء الثاني هو أنهم يحضرون لانتقال أكثر شمولية. في هذه المرحلة الأمنية لضبط الأمن، كان مهما بالنسبة لهم أن يكونوا جميعا من نفس الفريق وهو الهيئة لكن بالنسبة للمرحلة الانتقالية المقبلة – بعد انتهاء الأشهر الثلاثة لتيسير الأعمال – أظهروا انفتاحا في تبادلنا ومناقشاتنا معهم على ضرورة أن تكون هذه المرحلة الانتقالية شمولية وتضم مجموعة من ممثلي المجتمع السوري. من أولوياتهم طبعا العدالة والمحاسبة. في نقاشاتنا واجتماعاتنا فسرنا أيضا دور الأمم المتحدة وما الذي يمكن أن تقدمه من مساعدات وخبرات ودعم.
مع الأسف ما رأيناه أول مرة جئنا وأيضا هذه المرة أكثر من ذي قبل، أن هناك الكثير من التحريض على شبكات التواصل الاجتماعي بطريقة مخيفة، وهذا التحريض يجلب القلق لمجموعة من مكونات المجتمع السوري. وهذا أيضا يسبب قلقا بالنسبة لهم.
هم أيضا مهتمون بمراجعة الدستور والتأكيد على ضرورة أن يشمل كل حقوق الإنسان. ونحن في الأمم المتحدة أكدنا – من بين أشياء أخرى – أن الدستور هو الضامن لأن تكون لكل السوريات والسوريين حقوق تحميهم وتحمي حريتهم بطريقة تامة وبمساواة كاملة. طبعا هناك ملفات أخرى بما فيها ملف الانهيار الاقتصادي وهناك قلق كبير فيما يخص الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والصحة.
أخبار الأمم المتحدة: من ضمن ما ناقشتيه أيضا هو تعزيز البعثة السياسية للأمم المتحدة في سوريا. ما أهمية ذلك؟ وهل هذا يعني أن مكتب المبعوث الخاص قد ينتقل إلى سوريا من جنيف قريبا مثلا؟
نجاة رشدي: المبعوث الخاص أخذ قرارا بضرورة أن يكون لنا حضور مكثف هنا (في سوريا) وعلى مستوى رفيع، لأن العمل يتركز اليوم في سوريا وفي دمشق خاصة. لابد أن تكون هناك لقاءات مكثفة مع السلطات من ناحية، لكن أيضا مع كل مكونات المجتمع السوري والمكونات السياسية الموجودة في سوريا، ولهذا أنا موجودة هنا مع فريق وسوف تأتي فرق أخرى إلى دمشق.
هل سينتقل المكتب إلى هنا؟ هذا يحتاج قرارا ليس فقط على صعيد المبعوث الخاص، لكن هذا القرار يكون طبعا مع السيد الأمين العام للأمم المتحدة بمناقشة مع مجموعة من الفاعلين في هذا الملف. بالتأكيد نحن – المبعوث الخاص ومكتبه – نريد أن نكون موجودين وأن نجري حوارا مع كل المكونات ومع السلطات. نريد أيضا أن نفهم منهم ما هي الأولويات، لأن أي حل سياسي مستدام وأي حل لاستقرار أحسن وإنعاش اقتصادي أكبر والسير قدما في الانتقال الشامل للجميع، يجب أن يكون عبر الاتصالات في كل مناطق سوريا وليس فقط في دمشق.

نجاة رشدي: أولا وقبل كل شيء أن تتوفر الطمأنينة عند كل السوريين والسوريات. هذا المجتمع والشعب السوري عاش أشياء توجع القلب ومعاناة لا تحصى. عندما نحكي مع كل السوريين ومع السلطات، يكون الملف الأول الذي يعتبر من أهم الملفات وأيضا الملف الذي يساعد على التماسك الاجتماعي هو ملف المفقودين.
العائلات تريد أن تعرف أين أحبائها. العائلة لا تستطيع أن تتجاوز المعاناة والألم إذا لم تعرف مكان أحبائها. هذا يعتبر من الأولويات فيما يخص أي مسار لاستقرار سوريا وللمستقبل الأفضل. الملف الثاني طبعا – وله أيضا علاقة بالمفقودين – هو ملف العدالة الانتقالية والمحاسبة. طبعا بالنسبة لنا في الأمم المتحدة من المهم للغاية أن أي أي مسار للعدالة أو العدالة الانتقالية ألا يكون مسارا للانتقام أو العدالة الانتقامية.
هناك آليات وطرق وووسائل واستراتيجيات فيما يخص التأكد من أن تتحقق العدالة لكل المعتقلين الذين خرجوا من السجون وعائلات من فقدوا حياتهم في هذا المسار. هناك عدة مؤسسات تعمل في هذا المجال، وقد جاءت إلى دمشق وستواصل القدوم، بما في ذلك لتجميع كل البراهين والملفات، والتأكد من وجود الحمض النووي وجمع الملفات كي تكون أي محاسبة عادلة.
الملف الآخر هو ملف الانتقال السياسي لأننا جميعا نعرف أن الانتقال قائم منذ شهر واحد فقط ولم يكن لأحد أن يتوقع حدوث كل هذه التطورات بهذه السرعة. ولابد من التحضير للانتقال السياسي بدون نسيان الضبط الأمني. رحبنا طبعا بفكرة الحوار الوطني. ولنا عدة اجتماعات مع مجموعات مختلفة في هذا المجال.
كل السوريين يريدون نجاح هذا الحوار الوطني، لكنهم أيضا يطالبون جميعا بأن يكون لهم كلمة وصوت سواء نساء أو رجالا. ولا أحكي عن الأقليات أنا أتكلم عن كل السوريات وكل السوريين، أن يكون لهم صوت لأن هذا مستقبلهم وبلدهم، وهذا المسار ملكهم.
طبعا نحن موجودون ومستعدون لتقديم أي مساعدة ودعم يحتاجونه. هذا يحتاج إلى تمثيل من كل الجهات ومكونات المجتمع السوري بغض النظر عن خلفياته ومرجعياته ودياناته ومعتقداته إلى آخره. ونحن متفائلون أن السلطات اليوم تستعمل بالضبط نفس الرسائل.
الملف الآخر الذي لا يزال موجودا ويثير القلق هو الملف الإنساني. السوريون اليوم يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية أكثر من أي وقت مضى ومع الأسف التمويل منخفض أكثر من أي وقت مضى. هناك احتياجات ملحة تماما، هناك الفقر المدقع ومشاكل شتى في كل سوريا للوصول إلى الخدمات الصحية، للوصول إلى الماء والتدفئة والكهرباء.
طبعا نعتبر المساعدات الإنسانية واجبا أخلاقيا على الكل، لكن المساعدات الإنسانية وحدها لن تفتح المجال فيما يخص التعافي الاقتصادي، لهذا من المهم للغاية أن يكون هناك استثمار في التعافي ليس فقط التعافي المبكر ولكن أيضا التعافي الاقتصادي والتعافي الاجتماعي.
أخبار الأمم المتحدة: وهنا يأتي دور المجتمع الدولي لدعم سوريا.
نجاة رشدي: طبعا، سوريا ستحتاج المجتمع الدولي الذي بدأ في إظهار مبادرات لدعمها. أكيد ليس بالمستوى المطلوب، لأن هناك مجموعة من التطلعات والمطالب التي تحتاج إلى وقت. بالتأكيد بدون رفع العقوبات لا نستطيع الحديث عن إنعاش اقتصادي تام، أواستثمار كبير في سوريا وكل الأشياء التي تحتاجها سوريا اليوم بطريقة ملحة بما فيها إعادة الإعمار وإنعاش القطاع الخاص وخلق فرص عمل إلى آخره.
الملف الآخر هو ملف الفصائل وأهمية أن تأتي كل الفصائل تحت مظلة واحدة هي مظلة الدولة ومظلة وزارة الدفاع. هناك خطوات مهمة قامت بها السلطات لكن لا تزال هناك حاجة لمزيد من العمل. وطبعا نحن في الأمم المتحدة، موجودون ومستعدون وتحت رهن الإشارة فيما يخص الدعم في هذا المجال.
لابد أن يعمل الجميع معا مع السوريات والسوريين ومع السلطات وأيضا مع المجتمع العربي ومع المجتمع الدولي فيما يخص وقف الانهيار الاقتصادي.

نجاة رشدي: النساء السوريات رائعات. أريد أن أهنئهن جميعا على ما فعلنه على مر العقود لتعزيز حقوقهن. تتحلى النساء السوريات بالشجاعة وقد عملن وكافحن من أجل حقوقهن. إنهن يردن حقوقا متساوية وحريات للجميع، ليس فقط للنساء والأقليات.
يردن أن يتبنى الجميع والمجتمع الدولي والأمم المتحدة نهجا مناصرا للحقوق المتساوية للجميع. النساء قلن لنا إنهن يردن مقعدا على الطاولة، سواء طاولة العملية الانتقالية أو صياغة الدستور الجديد والتحضير للانتخابات أو الحكومة الانتقالية والمحادثات السياسية.
ترى النساء أنهن يستحققن ذلك وأيضا أنهن عملهن لاكتساب الحق في هذه المشاركة. إن المجلس الاستشاري النسائي قام بدور مهم للغاية ولا يزال له دور مهم. لقد طلبنا منه وشجعناه على التواصل مع المجموعات النسائية الأخرى لأن الوقت قد حان لأن يعمل السوريون معا. وبالطبع نحن في الأمم المتحدة سندعم ذلك ونتطلع إلى مزيد من التواصل مع السلطات وجميع مكونات المجتمع.